(حكاية مأساوية وقلب متعب وأفكار هنا وهناك والكثير من المعارف والأصدقاء على مر السنين وعدد الأيام)
ثم أصبح هو
هو الوحيد من بين الخلائق
هو الصديق من وسط الجموع
هو من يسمع، ومن يتحمّل الأذى في سبيل الصداقة،
وبعد مدة قصيرة من المشاعر الخجولة، دق العصر الذهبي أبوابه في مكالمة هاتفية كانت الأغرب في حياتها. لم تتعود قط على وضوح دماغ أخرى غير دماغها، ولا شفافية في المشاعر كشفافية مشاعرها هي. فقدم هو إلى عالمها، بكل إصرار وقرر أن يفجر في وجهها جميع الألغام التي أحاطت نفسها بها. قدم إليها بكل صدق وقد عزم أن يجعل منها أميرة الدنيا والكون بأسره. أتى لعالمها وتفهّم حيرتها وغيرتها، حفظ تصرفاتها وكلماتها ولاحظ كيف تبتسم وكيف يكون شكل عينيها وهي على وشك البكاء، كان الوحيد من سمعها، ومن تحمّل أذاها.
حاولت بكل ما كان لها من قوة أن تبتعد، ظلت تقاتل من أجل سلامة عقلها قبل قلبها، وظنت أن القوة تكمن في الوحدة بعيدا عن كل قصص الحب والأحلام الوردية إلى أن اقتحم قوقعتها المصنوعة من الخوف وبعض الأكاذيب وكسرها فوق رأسها ليريها أن في العالم الواسع هذا حقول مبسوطة على مد البصر من الفرح وأمطار السعادة. أدخل إلى عالمها ألوان جديدة من الخجل وعبارات لأول مرة تسمعها من الغزل. كانت دوما تعرف أنها جميلة ولكنها اختبرت معه تجربة أنها تأسر العين وتحبس الأنفاس، هوت نحو الحب وقفزت طائعة، كيف لا وهو الذي أحال كل سواد فيها إلى ذرات تلمع في الهواء، وكل زفرة ألم استحالت معه إلى ضحكات تنتقل من شفتيها بين المشرق والمغرب لا تجد لها مكان إلا بين شفتيها، كيف لا تغوص في شعورها وهو الذي أضحى وأمسى في كل وجه تقع عليه عينيها، كيف لا وهو الذي لا تستطيع تجاوزه إلا به، ولا تقدر أن ترى العالم إلا معه، كيف لا وهو الوحيد من يسمعها، ومن يتحمّل أذاها، وهو الذي في كل مرة يختارها حتى في قمة يأسه يختارها.
لا يمكن أن تفي حقه جميع العبارات، وتعجز عن رد جميله كل اللغات، هو صباحاتها ومساءاتها وما بينهم من أوقات، هو الدموع والابتسامات، جمال الزمن والموسيقى والآهات، هو من رسم لها خريطة روحها وسكب فيها الطمأنينة والسكنات: هو الرجل الذي لا تصفه الكلمات