أعيش زمانا يقتات فيه القوي على ضعف أخيه، ويسرق الغني جاره الفقير، وحدّث ولا حرج عن تفاهات التكفير ومهرجانات الشعارات الرنانة التي في حقيقتها خواء فكري قاتل. أعيش زمانا تناضل فيه نساء الشرق الأوسط من أجل حقوقهن في التعليم والعمل والبطاقات الشخصية كنضال اللبوات في دفاعها عن أشبالها، وقد حققت مثيلاتها من نساء الغرب والشرق أمانيهن وغرفن من قدر الحقوق ما يكفيهن لأجيال قادمة. أعيش هذه التفاصيل يوميا وأنا لا أصدق أذني وأشكك في عينيّ فالعالم الآن بالنسبة لي قادر على التحريف صوتا وصورة!
أعيش زمانا أصبح صغار القوم وأتفههم مثلٌ عليا يتسابقون على سفاسف الأمور، يهمّشون الإبداع الحقيقي ويصفقون للهرطقة. أعيش حقبة تتناحر فيها جميع الملل والنحل ولم يبق الآن للحب والسلام أي مكان إلا في مخيلة الأدباء وأغاني الشعب.
أعيش أياما سوداء انقلبت فيها موازين الجمال فأصبح القبيح جميلا بدعوى نسبية الجمال، وتماوجت المفاهيم حتى أصبح للفوضى مدرسة وللكوارث منهج. تتقدم التكنولوجيا بسرعة مخيفة، تتهندس أرواح الناس وتخلّق الحيوات من لا شيء وكأن كل منا هو رب نفسه!
-على سيرة الرب- أعيش حاليا أياما ضاعت الحقيقة فيها، وأصبح الرمادي هو لون الساحة الجديد، فكلنا على صواب وليس للخطأ مكان لأن الخطأ والصواب –كالجمال- أمر نسبي يختلف من شخص لشخص ومجتمع لآخر وهكذا سيعم السلام إن أسلمنا بهذه السفسطة، والأدهى أن الفوضى ازدادت وتقسم العالم إلى أحزاب متشعبة وأصبح الشذوذ هو الحالة الطبيعية للأفراد كل ذلك بسبب ضياع مفاهيم أساسية مثل الحق والباطل.
أرى أن العالم يسير نحو هلاكه باسم الرب الذي لا وجود له إلا في قلوب البشر،
أساطير وأساطير في مواجهة الأولين
ولا نحن أصبحنا أفصل
ولا وجدنا الحل
بل خلقنا المزيد من الحروب وعبّدنا للضياع طرقا أكثر
ولا زال الناس –مثل الإغريق زمن سقراط- في جهلهم يعمهون ظانين وبكل سذاجة أن اعوجاج المفاهيم هو الحل
[…] via ما ينتجه كوب واحد من الاستيعاب — استفراغ […]