من أعظم اللحظات الحياتية هي تلك التي تتكشف فيها شخصيتك وتتجرد سماتك وصفاتك الشخصية لك، لمبة تضيء فوق رأسك ليس لفكرة علمية عظيمة، وليس بسبب اكتشافك لخطة احتلال العالم والتحكم به، بل هي لمبة تشع لحظة إدراكك لماهية ما انت عليه الآن واسباب واقعك الذي قولبك. والعام الجديد فرصة -تبدو مبتذلة- لتأمل نفسك وحياتك ووضع خطط لتحسين نفسيتك وعالمك.. فرصة مبتذلة جدا..
تأمل في الماضي:
ولدت في عائلة محافظة. جدي -رحمه الله- رجل متدين، امام مسجد في الحقيقة ومأذون أنكحة مات قبل أن يزوجني -كان حلم من احلامي ان يكون هو مأذون زواجي- وأبي بطبيعة الحال ورث عنه الهدوء والتدين، مع أني أذكر جيدا جلساتنا مع ابي على البحر وصوت علي عبدالستار يغني “يا ناس احبه واحب اسمع سواليفه” من مسجل السيارة. أمي ايضا اعتبرها ملتزمة نوعا ما فمنذ ان كنت صغيرة وهي تلبس عباءة على رأسها وتتنقب وهي في المستشفى حيث تعمل طبيبة نساء وولادة. امرأة قوية تحملت ومازالت تتحمل الحياة بكلمتين “الحمدلله” و”لا حول ولا قوة الا بالله.” في بيتنا عادة عائلية لم تنقطع الا في السنوات الثلاث الاخيرة. كنا دائما بعد المغرب نجلس مع بعض في المطبخ. أمي وأبي يشربان الشاي الاحمر ونحن حولهم نتجاذب اطراف الحديث وإلقاء النكت كعائلة هند في كتاب القراءة، ثم غالبا تنتهي جلسة المغربية بمحاضرة عن الاخلاق الاسلامية او موعظة دينية. في هذه الجلسة بالذات أنا “فاكهة” الأسرة. العضوة المساهمة في توزيع الضحكات والابتسامات وسط جو من المناقشات العلمية والاجتماعية والفكرية.
تأمل في الحاضر:
لطالما عرف عني أني البنت الثرثارة والصديقة المرحة. أمازح كل الناس وابتسم للغريب والصديق.. أما عن المواضيع الجدية فنادرا ما تنتهي في الدائرة بدعابة مني.. لم يلحظ أحدهم أبدا الهدوء المفاجىء الذي يعتريني.. ففي لحظات قليلة جدا اتراجع لنفسي فرارا من العالم حولي. احب الناس ولكن دائما وسط مجموعة كبيرة من الاشخاص، او في المناسبات الاجتماعية، تمر تلك اللحظة الباردة. لحظة اصاب فيها برعشة برد ويبدأ عقلي بالارتجاف وخض الافكار الكثيرة داخل رأسي، وفي محاولة مني لاسكات افكاري اجول بنظري في وجوه الناس وابدا باستراق السمع ومحاولة خلق قصص لوجوه غريبة عني في المكان. أمسك أذني في يدي وأرمي بها وسط الناس… وياللغرابة أحسن الاستماع لكل الناس!! من قال ان “صاحب بالين كذاب” هو كذاب بعينه!!! فلدي ١٠٠ بال وبال. أجيد الانصات لاكثر من شخص في وقت واحد! وعلى سيرة الانصات، انا بئر الكثير من الصديقات والاصدقاء!! لكل مشكلة منهم أنا الوجهة التي تريحهم.. اشعر أحيانا بالانزعاج من كوني المستمع الدائم!! فكثيرا يضيع همي وسط همومهم ولا أجد من يسمعني!! لكن أظل فخورة بنفسي لأني تقريبا مصدر الثقة والأمان لكثير منهم.. الخلاصة هي، ٢٦ سنة من الحوارات العميقة والتافهة والسخيفة والشيقة! كلها محفورة في ذاكرة حديدية لا أنكر أني أود نسيان معظمها!!
اللمبة التي أضاءت للتو:
كل ما يحتاجه أحدهم في الحياة هو ملاذ لأسراره التي إن ظلت داخله، تقرحت وتفجرت مسببة له ولمن حوله أوجاع بعواقب وخيمة
Reblogged this on Rahma|Ra7ma.