تجربة حياتية: التهاب المعدة

طرقة خفيفة على جدران رأسك الداخلية، ثم سرعان ما تصبح هذه الطرقات أكثر حزما واصرارا لتتحول الى ضربات عنيفة ثم كرنفال من الألم بسبب تمدد الأوعية الدموية في رأسك! تتمدد هذه الأوعية لترميك ممدا غير قادر على التركيز في العالم من حولك! لا تركز إلا في الألم الذي يعتصر رأسك. توافق على طلبات أختك الصغيرة فقط لأنك تريد منها السكوت والتوقف عن الالحاح عليك: العالم الآن بالنسبة لك عبارة عن تلفزيون أبيض وأسود بشخصيات تتحرك بسرعة مزعجة تتكلم بنبرة حادة.. ردودك قصيرة وجافة على أي تساؤل أو تعليق وابتسامتك إن حدث وابتسمت  مصبوغة بالرمادي الباهت كابتسامات الاموات! لا وقت ولا طاقة لديك في تلطيف الأجواء! فالألم الذي يتدفق مع الدم في رأسك كبندول ساعة يستهلك كل خلايا دماغك العصبية في التفكير فيه والإحساس به!

ثم في وسط خيالاتك (فيها نفسك وهي تقطع شرايين رأسك، أو نفسك وهي تنتف شعر رأسك شعرة شعرة لترتاح من الصداع) تلوح وسط كل هذا السيناريو الرخيص حبة مسكن الألم! تلوح في سماءات خيالك، وسط دوائر بنفسجية وخطوط خضراء ونقاط صفراأ تكونت في مجال بصرك بعد أن عصرت عينيك في محاولة يائسة لتخفيف الصداع، تلوح الحبة كملائكة الرحمة عند الإغريق بجناحين ووجه طفولي مبتسم، كجنة عدن على الأرض، كيوم القيامة في نهاية العالم، كمخلص للبشرية من عذاباتها. هكذا تناديك تلك الحبة التي تذكرت سحرها للتو. تلك التي تقبع في ظلامات دولاب المطبخ بين كل الأدوية الموصوفة والغير موصوفة لأفراد عائلتك.. تتجه لدولاب المطبخ الصيدلية” تبلع الحبة وينتهي الصداع.. يعجبك هذا السحر الغير محرم، المخدرات القانونية التي تباع يوميا في كل صيدلية وسوبرماركت وحتى بقالات المحطات على الخط السريع كأنها “ام اند امز” للصداع. تصبح هذه السكاكر الطبية صديقك الجديد ورفيقك في الفصل، العمل، البيت، بعد الشيشة وقبل النوم. الحل لكل مشاكلك اليومية.. حل لأصوات بنات اختك المزعجة وبكاء اطفال الجيران وصراخ امك واغاني حفلات الزواج الصاخبة! حبة خلف حبة ثم تصبح حبتين خلف حبتين الى ألا يعود لها أية تأثير على رأسك.. يهاجمك الصداع يوما وتبلع ٤ الى ٥ حبات … لا شيء.. لا تأثير غير أن الألم الآن يهاجم معدتك.. معدتك التي اصابها التهاب وتقرحات من جراء طحن البروفين والبنادول والادفيل والباراسيتامول وحمض البروبانيك والتايلنول و و و و وغيرها من المواد الكيميائية التي ترسبت في دمك الآن ولم يعد لها أي مفعول.. يتفاقم ألم رأسك ومعه يتفاقم الوجع في بطنك.. تسود الدنيا في عينيك.. انت صغير لم تبلغ الثلاثين بعد وها انت تعاني من آلام حسبت أنك محصنا منها.. ها أنت تستهلك صحتك في شبابك وها انت تستوعب أنك تعيش الموت بصوره كلها! لا تكبر المواضيع ولا تعطيها اضعاف حجمها الآن ولكنك حقا نادم على كل حبة بلعتها خلال الثلاث سنوات الأخيرة! تقرر أنك ستتوقف حتما عن تعاطي مسكنات الألم وتصبح أكبر مشاغلك وهمومك هي اجتياز أول صداع بسلام

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s