تنتهي مرحلة الطفولة في حياتنا، ونخرج منها بيد مكسورة من جراء تسلقنا سور البيت، ورعاف يلوث أقمصتنا بسبب اللعب تحت الشمس طويلا، والتهاب في الأذن من السباحة طوال اليوم. نترك الطفولة بقلوب سليمة وصافية لم يعكرها سوى الحرمان من اللعب بعد العصر في “الحوش” وانكسار عروسة الباربي الجديدة.
نكبر قليلا ونقع في الحب للمرة الأولى مودعين بذلك آخر نبضة قلب طبيعية. الحب الأول الأفلاطوني عادة يكون لابن العم أو ابنة الجيران، ولأننا لم نجرب الحب من قبل، تصيبنا بلاهة حادة فتصبح أغاني كاظم الساهر هي ما نسمع في الليل والنهار، وترتسم على شفاهنا ابتسامة خرقاء كلما ذُكر الحبيب في مجالسنا، ونفكر ونحلم بالفستان الأبيض والشقة والسيارة، ونسمي أطفالنا الذين نقرر انجابهم بعد ١٠ سنوات كحد أدنى فنحن لازلنا صغار. نختبر رهبة أول رسالة، أول مكالمة وإثارة أول لقاء وأول لمسة، نجرب طعم دموع الفرح ودموع الغيرة، وفي اليوم الذي نتعود فيه على هذه المشاعر الجديدة، يصفعنا الواقع بالرحيل، ويتركنا بقلوب مكسورة جربت الحب وطال فيها العذاب. بالنسبة للحب الأول حين ينتهي، نعتقد أننا انتهينا ونتمنى أن ننتهي معه، نلعن الحياة والأيام، ونبكي كثيرا. نسرح حين نقع في الحب للمرة الأولى ونسرح أكثر حين الفراق الأول! نبكي ونؤلف القصائد ونمضي ليال كثيرة نشتكي فيها ظلم الحياة وقسوة الحبيب. نستميت في احساسنا بالحزن ونصر ونجزم أننا لن نحب بعد هذه المرة!
تمر الأيام والشهور ونبدأ بالتعافي من البعد والاشتياق، وتبدأ قلوبنا في ممارسة وظيفتها الأساسية: النبض! وتمضي الحياة تذكرنا تارة بألم الحب الأول وتارة تقوينا على أنفسنا وتدفعنا نحو الحياة. نكبر من خلال التجربة الأولى ونقع في الحب للمرة الثانية. هذه المرة نقع ونصمم أننا تعلمنا من أخطائنا ونضجنا بما فيه الكفاية لنعيش بسعادة مع من أحببناه، وكبرنا كفاية ليكون لنا الصبر على اغاني عبدالحليم وأم كلثوم الطويلة. وفعلا! نعيش السعادة التي تنبأنا بها، ونفتخر بطريقة تعاملنا مع المشكلات الآن، ونتفاجأ بمدى قدرتنا على النظر للأمور بواقعية هذه المرة! ثم ماذا؟ تدور الدنيا ونفترق للمرة الثانية! فهكذا هي الحياة. تهدينا السعادة على طبق من ذهب ثم تكسره فوق رؤوسنا غير مبالية بعدد الغرز التي سنحتاج إليها! بعد الفراق الثاني نحاول منطقة مشاعرنا وخلافاتنا ثم ندرك أن مشاعرنا خلقت في قلوبنا غير منطقية وأنه من غير المجدي محاولة فهمها. نزداد حكمة وندرك أخيرا أن الحب عبارة عن تجربة حياتية لابد أن نخوضها يوما ما، وأنه كباقي التجارب يعلمنا ثم ينتهي ويتركنا مع الكثير من الألم وبعض الدروس التي تعلق في أدمغتنا ولا تفارقها. دروس تبني في دواخلنا الحذر من الحب، وتنصب على قلوبنا لافتات “الرجاء عدم الاقتراب” وتقيم الحواجز التي نقسم بكل آيات الله أننا لن نهدمها لكائنا من كان. ثم نعلن الحرب على الحب والعشاق وكل قصائد نزار وغادة السمان. الفراق الثاني غالبا ما يصب في قلوبنا مرارة لا تزول ف “ضربتين في الراس توجع” ونحن بعد الفراق الثاني لا نتحمل “وجع الراس”. الفراق الثاني يجعلنا نكبر سنين في يوم واحد ويخطف منا الفرح الذي آمنا به “بعقولنا” هذه المرة، ويعطينا مناعة ضد الألم للمرة الثالثة، مناعة نتمسك بها بخوف من المرة الثالثة، مناعة نحقن بها دماءنا كلما ذُكر الحب أمامنا، ولكننا مع مرور الشهور والسنوات ربما نتمنى في سرائرنا أن تزول هذه المناعة وتختفي لنقع الوقعة الثالثة. وبالرغم من أننا نجتهد بعد الفراق الثاني في اقصاء الناس وابعادهم عنا، الا اننا نصلي من أجل الوقعة الثالثة
Loved it and just want to see more from you,,,, hopefully a book soon 🙏
Gd luck 👍
رهيب اخر سطر يا دينا. رهيب فعلا 😂💔
تدوينة جميلة. ارجوا الا تتوقفي.
كوني انت دائما.
صديقتك،
غيداء