(في محطة الباص)
عجوزة تنتظر بصبر كبير الباص الذي يأتي بعد ١٦ دقيقة، وقت ان رأيته انا مشيت الى بيتي! ولكنها اللطيفة في زييها الأسود تبتسم لي كلما رفعت رأسي من دفتري وكأنها تعلم اني اكتب قصتها هي.. تدور برأسها الصغير مستكشفة الشارع الذي حفظته عن ظهر قلب فهي تسكنه لاكثر من ثلاثين عاما.. وتأخذ الباص الى اقرب بقالة كل يوم لذلك لا تمانع هذا الانتظار الطويل الذي لولا ان مخي ألح علي بالكتابة في تلك الساعة لما انتظرت هنا.. يأتي رجل ويسألها عن الوقت فتنظر الى ساعتها الذهبية التي اهداها اياها زوجها في عيد زواجهم الثاني، وتقول بصوت خافت “السادسة مساءا” يشكرها الرجل ويمشي.. تعلو على وجهها الحنون ملامح الألم وكأنها تذكرت شيء ما.. ولدها! تفكر مليا في حياة ابنها التي دمرتها تلك الملعونة زوجته!! تنبعث من عينيها شرارة غضب لا تليق بها ابدا.. تبحث بعصبية في حقيبتها عن هاتفها.. تجده! تبدأ قدمها بالاهتزاز في حالة توتر، تبحث عن رقم ولدها.. تبا! لم يكن بينهما اتصال منذ وقت طويل لذلك لا تجده في قائمة المكالمات الصادرة! تضغط ايقونة (جهات الاتصال) وتجده مسجل ٤ مرات! ايهم رقمه.. يغير ولدها رقمه كل عدة شهور لا تدري مالسبب ولا تريد ان تدري!! لقد دفعته للجنون تلك الشريرة ذات الشعر الأحمر.. تتصل!
(في شقة في الحي الصيني)
يرن الهاتف وسط ظلام الغرفة وكأنه شمس تشرق على الكون فجأة! تحترق عيناه لجزء من الثانية ويلعن من اتصلت في هذه الساعة! يقلب الهاتف على شاشته ثم يحاول ان يعود للنوم الذي لم يأت اصلا! يبدأ يتخيل سيناريو ما.. مالذي حصل لها حتى تتصل في هذا الصباح؟ اهو مزيد من العتاب واللوم الذي ينتهي غالبا بالصراخ واقفال الخط في وجهها بينما تترجاه باكية ان لا يقفل ويسمعها؟ يتذكر هذه الدراما التي حصلت مرارا الآن فتزداد عصبيته ويرمي هاتفه بعيدا.. يخبط رأسه في المخدة متمنيا لو كانت طوبة لتنكسر جمجمته ويرتاح.. ينفث نفسا حادا كثور هائج.. فقد مل النساء في حياته.. أمه شريرة وهذه ايضا شريرة.. والنساء سبب تعاسة العالم.. هذا آخر ما فكر فيه قبل ان ينام..