فمان الجرح يا ذيك السوالف

يصعب على المرء استيعاب الانفصال وأسبابه

مهما قُدمت له بالتفصيل الممل، فالقلب حين يهوى ويهيم يعمى عن طيوف المنطق ولا يرى إلا الجنون

فالوداع بالنسبة له غدر

ودرب السلامة الذي يتمناه للغير

يصبح حقل ألغام يمره يوميا لينفجر ويعود لنقطة الصفر

نقطة الجرح

منطقة الخطر والأغاني الحزينة!

تلك المنطقة التي تضخم فيه شعور الضحية

تلك المنطقة التي تزرع فيه أوهام “جروحك علموك وعلموني” وهو الذي لم يتعلم شيء بعد

ولم ير للآن طامة غير ألمه وفراقه

ولا يُلام طبعا

ولكن

أما آن الأوان أن يعني ما يقوله ويحاول أن تكون

“فمان الجرح يا ذيك السوالف”

حقيقة

بدلا من أغنية يتلوّى من اللوعة حين يسمعها؟

تحليل في النفس البشرية

حتى في أمور الحزن، تظل النفس البشرية تحب ذاتها ولا تفكر إلا في نفسها، وتظل النزعة للشعور بالتفوق على الآخرين متأصلة في نفوس البشر. البشر أنانيون لا يعيرون لحزن الآخرين أي اهتمام –آسفة دعني أصيغ لك الأمر بطريقة أفضل- هم يعيرون حزنك اهتمامهم ويسرفون في هذا الاهتمام أحيانا، لكنهم انتقائيون في هذه الأحزان التي يعطون وقتهم لها. فحين تحزن، لا يريدون منك أن تشعر إلا بتلك الوعكة القلبية التي تتعافى بطبطبة على كتفك أو في أسوأ الأحوال بحضن يدوم دقيقتين ونصف تفرغ فيه دموعك مع القليل من المخاط ثم تصبح شخصا أسعد. يتوتر البشر من الأحزان الجلل التي لا تنتهي بانتهاء سجارتك. هم لا يريدون منك أن تحزن ذلك الحزن الذي تتمنى معه الموت، ذلك الشعور الأسود الذي يكبر داخلك ليغلفك ثم يبتلعك، تلك الحالة المزرية التي تجعلك تفكر في الانتحار أنه طوق النجاة الذي سيخلصك من ألمك. لا يريد البشر أن تخطر على بالك فكرة القفز أمام كل سيارة تمر من جانبك وانت تمشي على الرصيف بلا وجهة. ينهروك إن عبّرت لهم عن الألم الذي يشلّ دماغك عن التفكير بالنعم التي يحسدوك عليها. يتوقعون من حزنك أن يكون صغيرا بحجم يتناسب مع قدرتهم على الاحتمال. يتوقعون من آلامك أن تكون بحجم اللقمة تمضغها وتبلعها لتتحول مع الوقت إلى طاقة إبداعية أو إنتاجية. هكذا يريدون من ألمك أن يكون: صغيرا وسهل التعامل معه. أما خوفك من الوجود، وسواد لياليك وأفكارك التي تمقت معها كل من على وجه الأرض لا يريدون سماعها ويتحاشوا أن يسألوك عنها، وإن كنت غبيا بما فيه الكفاية وحدّثتهم عن مكنونات ما يجول في خاطرك، يحدّقون فيك بكل بلاهة ثم يخبروك أنك “تكبّر المواضيع” وأن “الحياة حلوة بس نفهمها”. هكذا يتعامل البشريون معك؛ ليس لأنهم يحبوك أو يخافون عليك ولا يريدون لك الألم.. لا لا..  ولكن لأنهم أنانيون؛ يقتاتون على الشعور بأنهم سبب “شفاءك” وأنهم وراء “تحسُّنك” وأنهم قد ساعدوك على تخطي حزنك والتخفيف من ألمك.

طواف الحياة

لا يوجد طريقة سحرية لتنسى من هجرك، ولا يوجد طريقة مختصرة لتتخطى حبّا لم يُكتب لك. ستعيش وتمضي في أيامك وحيدا بائسا لا تعرف للنوم طعم. ستحاول بكل ما أوتيت من فشل أن تضحك ولن تفلح. ستبكي بكل يأس العالم الساكن فيك. ستنزف من خناجر الذكريات وتموت من انتظار المكالمات. ستكره من هجرك طوال الصباح لتعود وتقع في حبه حين يغشاك الليل. ستدمن المسلسلات لتبنّج شعورك بالألم، أو ستدمن (بنادول نايت) لتغرق في النوم لحظيا من دون المرور بنفق أفكارك اليائسة. ستمر بمراحل من الشعور المتذبذبة بين الاشتياق والكره واللوعة والحب والحقد والألم. وأحيانا ستعاود الاتصال بهم وستعلن نفسك عند أول رنة تسمعها، وتتفاقم اللعنات حين يتجاهل الطرف الآخر الرد عليك. صدقني لا يوجد طريقة سحرية لتنسى من هجرك، ولا يوجد طريقة مختصرة لتتخطى حبّا لم يُكتب لك. يجب أن تمر بهذه الرحلة المزعجة، تلك الرحلة التي سيُعصر فيها قلبك ليصبح يابسا مجعدا رمادي اللون، وينسحق فيها دماغك ليجف ويجمد.
أقول لك هذا الكلام لأنك تظن أنك الوحيد من يعاني ويتألم، ولكننا جميعا ارتحلنا عبر ما تمر به الآن. بعضنا قطع رحلته في أسبوع، ومنا من قطعها في شهور وآخرين أخذوا سنينا من أعمارهم ليتجاوزوا هذه الرحلة ويجتازوا الفراق.
ولكن
ثق في كلامي حين أقول لك، ستجتاز هذه المرحلة بكل ما فيها أوجاع وأوساخ، لتصل إلى بر الأمان وتشفى من جور الحياة، ولا يلبث عودك الطري في الاشتداد إلا وقد وقعت مرة أخرى في الحب.

بقعة الصودا ٣: الأم

يبدو كل شيء مائل من هذا الزاوية.. اللوحة الزيتية والطاولة الخشبية تحتها والتلفاز مائلين.. كل شيء مائل وضبابي، كيف باغتني النوم هكذا فجأة؟ كم الساعة الآن؟ لابد أنها بعد التاسعة صباحا بقليل فالبرنامج النسائي الصباحي قد بدأ للتو. لمَ لا أستطيع سماع أصوات المذيعات بشكل واضح؟ لا شيء واضح! لا أستطيع الرؤية بوضوح هكذا وانا ملقاة على الأرض نصف نائمة، والأصوات تأتي غمغمات مكتومة لا أستطيع تمييزها!! رأسي يؤلمني، ويبدو أن جدار الغرفة يتساقط أمامي وألوان اللوحة الزيتية تتداخل في موجات وتدور بسرعة .. لا شيء يبدو طبيعيا من هذه الزاوية.. يجب أن أنهض.. أطرافي لا تتحرك.. يجب أن أستجمع قواي وأذهب لسريري.. كيف باغتني النوم هكذا فجأة في وسط الصالة؟ لم يحدث هذا في حياتي قط.. كيف نمت هنا!! علي النهوض حالا ..لا أستطيع الشعور بأطرافي.. لحظة! لحظة! .. كيف يحصل هذا؟ لماذا أطفو؟ تتأرجح الغرفة من حولي وكأنها بنيت على سطح الماء! سأصاب بالغثيان إن استمر شعور التأرجح هذا .. على النهوض حالا!! لم لا أشعر بجسدي؟ لا زلت أطفو! مالّذي يحدث؟ أي قوةٍ هذه التي تسحبني للأعلى؟ ولم يتمايل العالم من حولي بينما أرتفع؟ تبدو الجدران أكثر شحوبة ولون البيت يميل إلى لون البرتقال. تمسّكي بأثاث البيت أو جدرانه لئلا ترتفعي أكثر.. هاه؟ أين يدي!! أين أطرافي مالذي يحصل لي!!! لم تدور الأرض من تحتي؟ جسدي هناك ملقى فوق بقعة الصودا!! تلك البقعة التي أحدثها ابني يوم شرب أول رشفة صودا في حياته!! أتيت مسرعة من الغرفة حالما سمعت صوت فرقعة الغازات حين فتح العلبة. لم أكن أريده أن يشربها؛ فهي مضرة بالصحة وتسبب هشاشة في العظام، واذا بليت أنا بشربها مع كل وجبة لكني لا أسمح لعائلتي بشرب هذا السم الأسود! أذكر هذا اليوم جيدا! طارت علبة الصودا منه بعد أن صفعته على وجهه، ثم صفعته مرة أخرى لأن بساط الصالة الأبيض تلطخ!! وأطعمته من الشتائم ما لذ وطاب كل يوم بعد هذه الحادثة، إلى أن بهتت البقعة وتحولت للون الأخضر وبهت معها غضبي! يجب أن أعود لغرفتي!! أشعر أنني مفصولة تماما عن هذا الواقع!! يجب أن أنهض حالا وأعود لسريري؟ لم أطفو هكذا؟ هل تلبّسني جني والآن أطير؟ هل أعيش كابوسا مرعبا لدرجة أني أعجز عن الاستيقاظ؟ يجب أن أنزل على الأرض! يجب أن استيقظ!! كل شيء ضبابي ولا أستطيع الرؤية من خلال غشاوة العين هذه.. يجب أن ينتهي هذا الكابو…. لحظة! هذه العمارة!!! إنني حقا أطير! مالذي يحصل لي؟ متى أكف عن الارتفاع والابتعاد للأعلى؟ كيف أسقط مرة أخرى للأرض لتنتهي دورة النوم اللعينة هذه؟ لم يهرع الناس نحو العمارة؟ مالذي يحصل داخل العمارة؟ وهذه سيارة الإسعاف تتوقف؟ مالذي يحصل؟ كيف أوقف هذا الكابوس؟ شهيق.. زفير.. شهيق.. زفير هكذا قالت المذيعة في برنامج الصباح.. شهيق زفير شهيق زفير شهيق زفير اللعنة لا شيء ينفع! إنني أبتعد .. لا صوت لي أصرخ به ليسمعني الآخرون وينقذوني ولا أطراف ألوّح بها!! لم لا يراني أحد!! هذه الكرة الأرضية بكبرها تحتي.. تبدو كما في الأفلام الوثائقية كرة زرقاء يكسو بعض أجزائها يابسٌ أخضر وأصفر.. مالذي يحدث بالفعل؟ كيف أتيت إلى هنا ولم أستمر في الصعود؟ متى أصل؟ إلى أين أصل؟ كيف يحدث التنفس هنا بكل انسيابية من دون خوذة فضائية!! أين أنا؟ كيف أعود لسريري؟ كيف أعود لواقعي؟ لأطفالي؟ لبيتي؟ كيف أستيقظ؟

الرجل الذي لا تصفه الكلمات

(حكاية مأساوية وقلب متعب وأفكار هنا وهناك والكثير من المعارف والأصدقاء على مر السنين وعدد الأيام)

ثم أصبح هو

 هو الوحيد من بين الخلائق

هو الصديق من وسط الجموع

هو من يسمع، ومن يتحمّل الأذى في سبيل الصداقة،

وبعد مدة قصيرة من المشاعر الخجولة، دق العصر الذهبي أبوابه في مكالمة هاتفية كانت الأغرب في حياتها. لم تتعود قط على وضوح دماغ أخرى غير دماغها، ولا شفافية في المشاعر كشفافية مشاعرها هي.  فقدم هو إلى عالمها، بكل إصرار وقرر أن يفجر في وجهها جميع الألغام التي أحاطت نفسها بها.  قدم إليها بكل صدق وقد عزم أن يجعل منها أميرة الدنيا والكون بأسره.  أتى لعالمها وتفهّم حيرتها وغيرتها، حفظ تصرفاتها وكلماتها ولاحظ كيف تبتسم وكيف يكون شكل عينيها وهي على وشك البكاء، كان الوحيد من سمعها، ومن تحمّل أذاها.

حاولت بكل ما كان لها من قوة أن تبتعد، ظلت تقاتل من أجل سلامة عقلها قبل قلبها، وظنت أن القوة تكمن في الوحدة بعيدا عن كل قصص الحب والأحلام الوردية إلى أن اقتحم قوقعتها المصنوعة من الخوف وبعض الأكاذيب وكسرها فوق رأسها ليريها أن في العالم الواسع هذا حقول مبسوطة على مد البصر من الفرح وأمطار السعادة. أدخل إلى عالمها ألوان جديدة من الخجل وعبارات لأول مرة تسمعها من الغزل. كانت دوما تعرف أنها جميلة ولكنها اختبرت معه تجربة أنها تأسر العين وتحبس الأنفاس، هوت نحو الحب وقفزت طائعة، كيف لا وهو الذي أحال كل سواد فيها إلى ذرات تلمع في الهواء، وكل زفرة ألم استحالت معه إلى ضحكات تنتقل من شفتيها بين المشرق والمغرب لا تجد لها مكان إلا بين شفتيها، كيف لا تغوص في شعورها وهو الذي أضحى وأمسى في كل وجه تقع عليه عينيها، كيف لا وهو الذي لا تستطيع تجاوزه إلا به، ولا تقدر أن ترى العالم إلا معه، كيف لا وهو الوحيد من يسمعها، ومن يتحمّل أذاها، وهو الذي في كل مرة يختارها حتى في قمة يأسه يختارها.

لا يمكن أن تفي حقه جميع العبارات، وتعجز عن رد جميله كل اللغات، هو صباحاتها ومساءاتها وما بينهم من أوقات، هو الدموع والابتسامات، جمال الزمن والموسيقى والآهات، هو من رسم لها خريطة روحها وسكب فيها الطمأنينة والسكنات: هو الرجل الذي لا تصفه الكلمات

 

في أمان الله

لا أعلم كيف سيكون شكل لقاءنا، وما هو سيناريو القدر الذي سيحملني على لقائك؟ لا أستطيع تخيّل لون السماء ذلك اليوم الذي سألتقيك فيه، وأتساءل دوما إن كنت سأجرؤ على رواية تفاصيل حياتي وعُقَد مشاعري كما كنت أفعل معك، أم أن حواجز البعد ستكون سببا في بعض التحفظات منك؟ لا أريد حقا الخوض في مثل هذه التخيّلات المستقبلية فأنا لا أعرف حتى إن كنت سألتقيك أو أن هذا البعد الذي بيننا سيُطوى يوما ما!

لكني الآن سأقول لك ما يجول في قلبي كلما ذكرتك وأنت الحاضر الذي لا يغيب. أخاف أن أكون سبب فجوة في قلبك لا يمكن لأي رقعة أن تخفيها! ولا أعلم حقا مالذي يمكن قوله فيمحو قبح ما أحدثه الفراق، لكني أجر قلبي المكسور على فقدك معي كل يوم. وإن كان الاعتذار عن غيابي مبتذلا لأني من وعدك أني سأبقى على مشاعرنا، ثم نكثت وعدي في أول اختبار لي، لكني مملوءة بعبارات الأسف: آسفة.. آسفة بحجم الحب الذي يحمله قلبي لك، وبحجم الشوق المغلف بزيف اللامبالاة، وأعتذر بحجم الأميال التي تفصلني عنك، وعدد الرسائل التي لا تصلني منك.

أرجو أنك بخير عكسي، واعلم أنك حاضر في صلواتي ولا تغيب من أيامي أبدا. أدعو دائما أن يعوضك الله بشخص يمثل الوفاء للعشرة، ولا يسبب لك خيبة أمل كما فعلت، وأن ترزقك الحياة بصديق حقيقي يغنيك عن كل الأصدقاء كما أغنيتني عن جميع الناس يوما ما

 

Pink

It stood on the kitchen’s table; conspicuously pink! Unlike her miserable pale face, the teacup was pink. She sat down looking at the cup with a million thoughts rushing in and out of her mind, but she was afraid of one particular thought. She tried to squeeze her neurons in her nerves for excuses or memories, but none exist. It was only THAT particular thought that kept pressing as she stared at the dark lipstick stain on the pink teacup. She thought “he loved a woman with dark lipstick.” The sound inside her ears was too loud; one long ding that kept ringing. Her stomach became morbidly ill. Then, tears streamed along her cheeks making their way to her lips and off they fell on the table.

The pink teacup stood right in front of her with a lipstick mark that looked as it were laughing at her. How could she be so fool? She has always sensed that something wasn’t in place. His absence was consistent as if he had scheduled the nights of his affairs. His excuses were not really convincing, and his truths always seemed off, but she believed him anyway. After all she was hurt too many times to believe anything her gut told her; every suspicion was treated as a symptom of her trust issues.

She bought the pink teacup from a website that sold souvenirs and antiques for couples. The shiny pink teacup came with an identical blue cup for him. Everybody thought it was cute when both of them drank from the similar looking cups. “Did he drink from the blue cup while she was drinking from this one?” she wondered. Now she realized that every little detail she wondered about was actually true. She didn’t really need him to explain and justify things to her. She has the cup. She has the lipstick stain. The mark that has burned its print on her heart FOREVER.

She got up with tears still falling off her eyes. She heaved repeatedly while she was washing off the pink teacup. She grabbed the little soft towel and dried the cup, put it back in the cupboard above her head. She, then, headed to her side of the bed next to him, and tired she drifted off to sleep.

 

عند منتصف الفراق

لا أشعر بالأمان، ومهما حاولوا طمأنة مشاعري السلبية لا يفلحون

ليس العيب فيهم بل فيّ،

فلم أشعر بالطمأنينة والسكون منذ مدة

 وليس لدي أي نية لنبش الماضي ومعرفة الأسباب

أدرك تماما أني استنزفت الكثير من  المشاعر في علاقات سابقة سُحقت كالفراشات التي عليها أن تموت في سبيل اتزان الطبيعة

وداخلي خواء شاسع يمتد لآلاف السنين الضوئية ولا ينتهي

أما قلبي فيتساقط ويجدد سقوطه كل صباح ليحدث جلبة يتردد صداها طيلة اليوم إلى أن أنام

هو تكرار الخسائر البشرية على مدى العمر يسبب هذا الخوف،

يخفت الشعور بعد الأمان مع الأيام

حتى أظن أني تغلّبت عليه وأن السكينة تسكن جوفي

أبدأ بعدها في التنظير وتحليل مخاوف من حولي

وأتوهم أني قادرة على الوقوع في الحب مرة أخرى،

ثم أقع

وتمر الأيام وأنا بظنوني متمسكة

وبالغزل أصبح أقوى

ثم مع أول اختبار للغياب

أتساقط في الدرك الأسفل من الشك،

وينبت في قلبي الخوف

وأصبح كالمتردية أرفس قلب من أحب بعنف مخاوفي

 وأزفر كل نفس بقوة

أحاول استعادة روحي

استحلاب جميع ذكريات الأيام الحلوة لأبقى على قيد الطمأنينة

أحاول استعادة روحي التي تشارف على الانتهاء

وأفشل

ثم أستسلم للفقد

وأنتهي

لننتهي

ما ينتجه كوب واحد من الاستيعاب

أعيش زمانا يقتات فيه القوي على ضعف أخيه، ويسرق الغني جاره الفقير، وحدّث ولا حرج عن تفاهات التكفير ومهرجانات الشعارات الرنانة التي في حقيقتها خواء فكري قاتل. أعيش زمانا تناضل فيه نساء الشرق الأوسط من أجل حقوقهن في التعليم والعمل والبطاقات الشخصية كنضال اللبوات في دفاعها عن أشبالها، وقد حققت مثيلاتها من نساء الغرب والشرق أمانيهن وغرفن من قدر الحقوق ما يكفيهن لأجيال قادمة. أعيش هذه التفاصيل يوميا وأنا لا أصدق أذني وأشكك في عينيّ فالعالم الآن بالنسبة لي قادر على التحريف صوتا وصورة!

أعيش زمانا أصبح صغار القوم وأتفههم مثلٌ عليا يتسابقون على سفاسف الأمور، يهمّشون الإبداع الحقيقي ويصفقون للهرطقة. أعيش حقبة تتناحر فيها جميع الملل والنحل ولم يبق الآن للحب والسلام أي مكان إلا في مخيلة الأدباء وأغاني الشعب.

أعيش أياما سوداء انقلبت فيها موازين الجمال فأصبح القبيح جميلا بدعوى نسبية الجمال، وتماوجت المفاهيم حتى أصبح للفوضى مدرسة وللكوارث منهج. تتقدم التكنولوجيا بسرعة مخيفة، تتهندس أرواح الناس وتخلّق الحيوات من لا شيء وكأن كل منا هو رب نفسه!

-على سيرة الرب- أعيش حاليا أياما ضاعت الحقيقة فيها، وأصبح الرمادي هو لون الساحة الجديد، فكلنا على صواب وليس للخطأ مكان لأن الخطأ والصواب –كالجمال- أمر نسبي يختلف من شخص لشخص ومجتمع لآخر وهكذا سيعم السلام إن أسلمنا بهذه السفسطة، والأدهى أن الفوضى ازدادت وتقسم العالم إلى أحزاب متشعبة وأصبح الشذوذ هو الحالة الطبيعية للأفراد كل ذلك بسبب ضياع مفاهيم أساسية مثل الحق والباطل.

أرى أن العالم يسير نحو هلاكه باسم الرب الذي لا وجود له إلا في قلوب البشر،

أساطير وأساطير في مواجهة الأولين

ولا نحن أصبحنا أفصل

ولا وجدنا الحل

بل خلقنا المزيد من الحروب وعبّدنا للضياع طرقا أكثر

ولا زال الناس –مثل الإغريق زمن سقراط- في جهلهم يعمهون ظانين وبكل سذاجة أن اعوجاج المفاهيم هو الحل